بدايات الاشتغال بالتجربة:

  تعود بداية الاشتغال تقنيا بتجارب الشعر المرئي, إلى عام 2003م ، غير أن كتابة النصوص التي اعتمدت عليها التجربة الأولى غواية المكان تعود إلى عام 1996 حينما نشرا نصا (دعشوش) و(سابرة).  ولكل منهما باعثه المختلف. فنص (دعشوش) وهو اسم عازف ناي شعبي (مزميرة) نص يحاول استعادة حالة الوجد السماعي التي كان يجسدها عالم دعشوش بكل ما يحتويه من جمال وحنين يبعثه عزفه النادر. ونص (سابرة) التي هي اسم حي شعبي قديم مندثر بعوالمه البصرية. الذي أصبح نصا موحيا بعدد من النصوص عن شخصيات وأماكن قديمة منها نص (العشيمي) عامل مزرعة قديم الذي كان معادلا لكل البيئة الزراعية القديمة، ونص (ياقوتة) وهي امرأة كانت مهنتها فنية تزيين البيوت القديمة بالألوان من الداخل.

محاولة الجمع بين هذه النصوص (المرفق صور بعضها وبعض الكتابات عنها أدناه)هي محاولة استعادة السمعي والبصري المندثر، ومن خلال ما كان سائدا في تلك الفترة من عمل أمسيات شعرية مشتركة يمتزج فيها العزف الموسيقي بإلقاء الشعر، وما كان سائدا من تزاوج الصور الفتوغرافية والأعمال التشكيلية في بعض الدواوين والمجموعات القصصية المطبوعة تخلقت شرارة العمل في عام 2003 من خلال بعض التساؤلات حينها، هل يمكن عمل مزيج يدمج هذه المؤثرات في عمل واحد؟ وكيف ستكون النتيجة؟ وبدأت فعلا تجريب ذلك بتسجيل إلقائي

للنصوص مسجلة على خلفية سمعية هي عزف (ناي دعشوش) ووضع بعض الصور البصرية القليلة التي كانت لحي سابرة. وللحقيقة والأمانة التاريخية، كان هذا المزيج الذي بدأت تركيبه على جهازي الحاسوب المحمول الشخصي كان ذلك بغرض الفضول والتسلية وخلق حالة توجد خاص بي. إلى أن سنحت الفرصة للصديق د. أيمن بكر لمشاهدة العمل بالصدفة في مكتبي بالكلية، ونبهني إلى أهمية الاشتغال بالتجربة وإمكانية عرضها وإخراجها للنور. وهنا بدأت ووتيرة العمل بالتصاعد وزيادة الصور والاستعانة ببعض الأصدقاء ممن لديهم صور قديمة كالصديق عمرو العامري، والصديق أحمد القاضي، والاستعانة بفنانين تشكيلين لرسم بعض اللوحات الفنية حيث تمت الاستعانة بالفنان طالع عقدي والفنان علي حبيبي، وتمت الاستعانة بما يقارب (30) ثلاثين صورة ولوحة تشكيلية من الأصدقاء المذكورين، علما أن العمل يعتمد فيما أذكر على أكثر من (1200) صورة ومقطع فيديو قمت بالتقاطها وتصويريها بنفسي وتوظيفها في العمل.   وتسارعت محاولات تجويد الإخراج أكثر فأكثر ، بتشجيع مستمر من الصديق د. أيمن بكر الذي كان صاحب مصطلح تسمية التجربة ب(الشعر المرئي) ، وهو من ذكر في قراءته النقدية التي صاحبت العرض بأن التجربة تحتوي لغات شعرية متنوعة هي لغات الحياة وأن التجربة لا تعتمد فقط على لغة الشعر المكتوبة على حد وصفه لها باللغة(الالفبائية).

          والحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها هي الشعور بالمغامرة والمقامرة والخوف والتردد في آنٍ واحد كلما تمثلت أمامي فكرة عرض العمل وعرضه وتدشينه أمام جمهور في فعالية رسمية. وللأمانة أنها المرة الأولى التي أقدم فيها على تقديم عمل شعري وأنا غير متيقن من مدى استقبال الجمهور له. وعندما بدأ العرض الأول لتدشين تجربة التجربة الأولى “غواية المكان” كنت في غاية القلق وانتظار للمجهول من ردود أفعال المتلقين للعرض، لكن الذي كان يبث الطمأنينة والثقة في داخلي هو تشجيع عدد من الأصدقاء المقربين في مقدمتهم د.أيمن بكر، وكذلك توارد الكثير من الأفكار لأعمال أخرى أثناء مرحلة تجويد التجربة الأولى حيث بدأت تتخلق أفكار أخرى مختلفة عن التجربة الأولى من حيث تقنيات الاشتغال وكانت هذه الأفكار نواة التجربة الثانية (حدقة تسرد). وهذا ما بث شيئا من الطمأنينة والثقة في داخلي بأن هذه المغامرة لن تكون تجربة واحدة منحصرة في “غواية المكان”، بل ستتبعها تجارب أخرى.

بعض الصور للصديق الناقد د.أيمن بكر الذي كان له دور مهم في اكتشاف التجربة والتنظير لها